نفسي الفداء لكل منتصر حزين |
قتل الذين يحبهم، |
إذ كان يحمي الآخرين |
. |
يحمي بشبرٍ تحت كعبيه اتزان العقل |
معنى العدل في الدنيا على إطلاقه |
يحمي البرايا أجمعين |
حتى مماليك البلاد القاعدين |
والحرب واعظة تنادينا |
لقد سلم المقاتل |
والذين بدورهم قتلوا |
نعم هذا قضاء الله لكن |
ربما سلموا إذا كان الجميع مقاتلين |
نفسي فداء للرجال ملثمين |
إذ يطلقون سلاحهم مثل الدعاء يطير من أدنى لأعلى |
مثل تاريخ هنا يملي فيتلى |
حاصرونا كيفما شئتم |
فإن الخبز والتاريخ يصنع هاهنا تحت الحصار |
نفسي فداء للشموس تسير في الأنفاق تحت الأرض من دار لدار |
حيث الصباح غدا هنا يهرب من يد ليد |
بديلاً عن صباح خربته طائرات الظالمين |
نفسي فداء للسماء قنابل الفسفور تملؤها كشعر الغول |
ألف أفعى بيضاء نحو الأرض تسعى |
والسماء تريد أن تنقض كالمبنى القديم |
فنرفع الأيدي لنعدل ميلها، |
وتكاد أن تنهار لولا ما توفر من أكف الطيبين |
يا أهل غزة ما عليكم بعدها |
والله لولاكم لما بقيت سماء ما تظل العالمين |
. |
نفسي الفداء لعرق زيتون من البلد الأمين |
أضحى يقلص ظله، كالشيخ يجمع ثوبه لو صادفته بِرْكَةٌ في الدرب |
حتى لا يمر مجند من تحته |
ويقول إن كسرته دبابتهم في زحفها نحو المدينة: |
"لا يهم، على الأقل فإنهم لن يستظلوا بي |
وتلك نبوءة |
قد كان يفهمها الغزاة من القرون السابقين |
هذي بلاد الشام |
كيف تقوم فيها دولة ربت عدواتها مع الزيتون يا حمقى |
ولكن عذركم معكم فأنتم بعدُ ما زلتم غزاة محدثين |
قسماً بشيبي لن يطول يقاؤكم |
فالظل يأنف أن تمروا تحته |
والأرض تأنف أن تمروا فوقها |
والله سماكم قديماً في بلادي عابرين" |
. |
نفسي فداء للرجال المسعفين |
المنحنين على الركام ولم يكونوا منحنين |
الراكضين إلى المنازل باحثين عن الأنين |
حيث الأنين علامة الأحياء يصبح نادراً |
حيث الحياة تصير حقاً لا مجازاً خاتماً في التُرْبِ |
تظهرُ، يرهفون السمعَ رغمَ القصفِ، |
تخفى مرةً أخرى وتظهرُ، |
يرفعون الردمَ، لا أحدٌ هنا، |
تبدو يدٌ أو ما يشابهها هناكَ، |
ويخرجون الجسمَ رغم تشابه الألوانِ |
بين الرمل والإنسانِ |
كالذكرى من النسيانِ |
كالمعنى من الهذيانِ |
تطلع أمةٌ وكأنما هي فكرة منسيةٌ |
يا دهر فلتتذكر الموتى، |
هنالك سبعة في الطابق الثاني |
ثمانية بباب الدار، |
أربعة من الأطفال ماتت أمهم وبقوا |
لأيام بلا ماء ولا مأوى |
ولا صوت، ولا جدوى |
فقل للموت، يا هذا استعد فإنهم |
والله لن يأتوك أطفالاً، ولكن |
كالشيوخ تجارباً ومرارة |
حضر دفاعك فالقضاة |
مضرجين بحكمهم |
قدموا عليك مسائلين |
. |
وهناك وجه بينهم يأتي عليه هالة رملية، |
طفل يصيح بموته قم وانفض الأنقاض عني |
ولتعني، أن أقول لقاتلي الغضبان مني |
إنني قد مت حقاً، لا مجازاً، غير أني |
لم يزل لي منبر فوق الأكف وخطبة لا تنتهي |
يا دولة قامت على أجسادنا لا تطمئني |
واعلمي ما تفعلين |
ولتقرئي يوم القيامة واضحاً في أوجه المستشهدين |
. |
نفسي الفداء لأسرةٍ جمع الجنود رجالها ونساءها في غرفة، |
قالوا لهم، أنتم هنا في مأمن من شرنا |
ومضوا، |
ليأمر ضابط منهم بقصف البيت عن بعدٍ |
ويأمر بعدها جرافتين بأن يسوَى ما تبقَّى بالتراب، |
لعل طفلاً لم يمت في الضرية الأولى |
ويأمر بعد ذلك أن تسير مجنزرات الجيش في بطء على جثث الجميع |
يريد أن يتأكد الجندي أن القوم موتى |
ربما قاموا، يحدث نفسه في الليل |
يرجع مرة أخرى لنفس البيت، يقصفه، |
ويقنع نفسه، ماتوا، بكل طريقة ماتوا، |
ويسأل نفسه، لكن ألم أقتلهمو من قبل، |
من ستين عاماً، نفس هذا القتل، |
نفس مراحل التنفيذ، |
لست أظنهم ماتوا، |
ويطلب طلعة أخرى |
من الطيران تنصره على الموتى |
ويرفع شارة للنصر مبتسماً إلى العدسات |
منسحباً، سعيداً أن طفلاً من أولئك لم يقم من تحت أنقاض المباني |
كي يكدره |
ويسأل نفسه في الليل، ما زال احتمالاً قائماً أن يرجعوا |
فيضيء ليلته بانواع القنابل، |
سائلا قطع الظلام عن الركام وأهله |
ماذا ترين وتسمعين |
فتجيبه |
لم ألق إلا قاتلاً قلقاً، وقتلى هادئين |
. |
نفسي فداء للصغار الساهرين |
عطشاًَ وجوعاً من حصار الأقربين الآكلين الشاربين |
المالكين النيل والوادي وما والاهما ملك اليمين |
الشائبين الصابغين رؤوسهم فمعمرين |
من أين يأتيكم شعور أنكم سَتُعَمّرُون إلى الأبدْ |
ثقة لعمري لم أجدها في أحدْ |
عيشوا كما شئتم ليوم أو لغدْ |
لكنني صدقاً أقول لكم |
فقط من أجل منظركم، وهيبتكم |
إذا سرتم غدا في شاشة التلفاز |
سيروا صاغرين |
. |
نفسي فداء للصغار النائمين |
بممر مستشفى على برد البلاط بلا سرير، خمسةً أو ستةً متجاورين |
في صوف بطانية فيها الدماء مكفنين |
قل للعدو، أراك أحمق ما تزالْ، |
فالآن فاوضهم على ما شئت |
واطلب منهمو وقف القتالْ |
يا قائد النفر الغزاة إلى الجديلة |
أو إلى العين الكحيلة |
من سنين |
أدري بأنك لا تخاف الطفل حياً |
إنما أدعوك صدقاً، أن تخاف من الصغار الميتين |