لا شيء أفعله سوى الذهول ... سوى تلك الحسرة التي تمزق روحي، فها أنا أرى في كل يوم مأساة جديدة، تتخلل روحي فتعيث فيها خراباً على خرابها.وذاك السؤال لا ينفك يلاحقني، يُسيطر عليّ، هل كُتب علينا الموت والإستسلام والخنوع والشعور بالمهانة في كل مرحلة من مراحل حياتنا؟شيءٌ ما يصرخُ في داخلي بأعلى صوته: لا .. لا ... لا
وشيء آخر يبصق في وجهي ويشير لي بسبابته : أن أخرس... أخرس أيها المأفون الغارق في سباتك منذ البداية، أيها المهزوم المنكفئ على نفسك، الخائب، الخائف من ظلك، القابع في سراديبك العفنة، إخرس .. ولا تتفوه بكلمةٍ عن أولئك الذين يصنعون الحياة، ويضفون عليها القيمة تلو القيمة التي تمنح المعنى للحياة.
أهرب من ظلي، أحتمي بدفء أنفاسي، وأتسلق شجرة الحياة الذابلة، علها تمدني بالحياة من جديد،
لكنها عارية من أوراقها، جافة كجسد ميت، لونها خريفي، باردٌ كبرودة الثلج، لا بل كبرودة مشاعرنا التي تثور كما يثور الماء عند غليانه ثم سرعان ما يعود إلى ما كان عليه.
ستصرخون .. وسأرصخ معكم .. ليوم .. ليومين ثم ستجف حتاجرنا وسنعود كما كنا، كالغرابان التي تنتظر جثة جديدة، لتبدأ نعيقها من جديد، وربما لتشارك في ألتهامها مع من يلتهمها، وقد تفوز بلقمة وقد لا تفوز.
خمسة عقود مضت من حياتي، حلمت فيها كثيراً، «بوطن» وما زلت أحلم، وما زال الوطن بعيد.
خمسة عقود مضت وأنا أحدق في تجاعيد الوجوه القديمة التي رحلت وطواها النسيان، وما نسيت للحظة كم كانت ترتسم عليها خرائط ذاك الوطن، بترابه، بأشجاره، بشوارعه وأزقته وبيوته القديمة، بذاك البريق الذي كان يختبئ في حدقات العيون في ذلك الشغف الذي كان يحتل تلك التجاعيد عندما يسمعون باسم الوطن، لقد كان الوطن حكاية بدأت فصولها قبلهم وستستمر بعدهم.
يا إلهي
هناك الكثير من الكلمات التي يتردد صداها في داخلي، لكنني أمام كل حدثٍ أشعر بأني قزمٌ لا يحق له الكلام أمام هيبة أولئك الذين يرتقون إلى السماء .. إليها مباشرة من غير وسيط، ليحتلوا منزلتهم عند ربٍ رحيم.
رحم الله كل شهيد قدم دماءه للوطن
وألهم قلب ذويه الصبر والسلوان على ما قدوموه
أما نحن فلا يحق إلا الصمت .. الصمت المخزي.