ديوان محمود حسن إسماعيل جزء 2


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
style

شاطر
 

 ديوان محمود حسن إسماعيل جزء 2

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Ovh
Admin
Ovh

عدد المساهمات : 3208
تاريخ التسجيل : 14/08/2015

ديوان محمود حسن إسماعيل   جزء 2 Empty
مُساهمةموضوع: ديوان محمود حسن إسماعيل جزء 2   ديوان محمود حسن إسماعيل   جزء 2 Emptyالخميس يوليو 20, 2017 11:36 am

ديوان محمود حسن إسماعيل   جزء 2 2504053640


مرثية غصن الزيتون
إلى رفات ملك إثيوبيا:
صرخة السلام في الحرب الإيطالية للحبشة:

لا زهرهُ يندى ولا هو ينفخُ = ذاوٍ على طرف الصبا مُتصوّحُ
ريّانُ أميَسُ هدّلت أطرافهُ = هوجاء من نار المطامع تلفحُ
فرعٌ من الزيتون لم يخفق له = فننٌ ولم يسجع عليه صيدحُ
أنداؤهُ من حكمةٍ أبديةٍ = صمتت فما تلغو ولا تتفصّحُ
وغذاؤهُ من رحمةٍ علويّةٍ = يضفو بها طيفٌ هناك مُجنّحُ
تخذ السلام قصيدةً قدسيةً = يشدو بها شادي السلام ويصدحُ
لو رنّ هاتفها بسمع كتيبةٍ = هوجاء في رهج اللظى تترجّحُ
سجدت له الأسيافُ خجلى رهبةً = وتكفّأت فوق الثرى تتطوّحُ
***
يا سرجةً برواق جينيف ارتوت = من جدولٍ بدم الضحايا ينضحُ
نبعٌ من الأرواح سلسل فيضهُ = وجرى على بطحائها يتفوّحُ
ينسابُ من خلل الجماجم صاخبا = أمواجهُ من كل عرقٍ تطفحُ
ماذا دهاكِ فلم يدعْ سوسانةً = من هوله في جانبيك تُفتّحُ
صوتٌ من الطليان أروعُ غاشمٌ = مُتحفّزٌ بين الورى يتبجّحُ
خدعتهُ صامتةُ القنابل حينما = ذهبت تُهدّد بالردى وتُلوّحُ
مجنونةٌ بالموتِ جُنّ حديدها = ومريدُها خطرا يروع ويفدحُ
رعناءُ لو مسّت مطارف شاهقٍ = لانْدَكَّ من عالي الذرا يتطرّحُ
سكرى بخمر الموت تهذي جهرةً = بملاحنٍ من كبرها تتوقّحُ
خرساءُ لو نطقت أصمّ ضجيجها = أُذُن الحياة ، فلا تعي ما تُفصحُ
حُبلى بنسل النار يا ويلاهُ إنْ = ولدتْ فحتفٌ للبريّة يكسحُ
كم أفزعت عزريل حين تبرّجت = تلهو على جثث ِ العبادِ وتمرحُ
***
سلْ أمةَ الأحباش كيف تفزّعتْ = وغدت على قُضب القنا تترنحُ
لم تغنها الأجبال تعصم هاربا = أو شاكيًا تحت المغافر يرزَحُ
خيماتها في الحرب لو أبصرتها = شُعلاً على كنف الهواضب تُلمحُ
هي ألسنٌ للحق ذاع بيانها = ضرمّا عن الوجد المكتّم يُفصحُ!
يا ربّ مسودّ الجبينِ بظلها = قسماته عند الوغى تتوضّحُ
يُصليه إيمانُ العزائمِ باللظى = فيظلّ من قبساته يتروّحُ
يلقى الطغاةَ بعزمةٍ لو صادفتْ = قلبَ الحديدِ لخرّ بالدمِ يرشحُ!
***
يا فارس الرّومِ العنيدَ تحيةً = من شاعرٍ باللّوْم جاءك يصدَحُ
أنغامُهُ في النيلِ ضيّعها الأسى = وهي التي بهوى البلاد تُسبّحُ
عُذرِيّةً تشدو ، فإن هي أقبلتْ = تأسو يراوغها الشمات فيجرحُ
صرخت على حريّةٍ مسلوبةٍ = شعراؤها في كلّ فجٍّ نُوّحُ
ما ضرّ لو امهلتْ طائشةَ الوغى = قومًا تغادوا بالشكاةِ وروّحُوا؟
أوطانهم ! يا رحمتا لمصيرها ! = أملٌ لسُفّاكِ الطغاةِ ومطمحُ
فزعوا من الغارات تخنقُ جوّهم = فيضرع بالموت الأصمّ وينفحُ
الله طهّره هواءً طيّباً = كالروض ضمّخه العبير الأفيحُ
وابنُ التّرابِ أحالَهُ مسمومةً = نكباء ذاريةً تُبيد وتفدحُ


شعر: محمود حسن إسماعيل


************************






في وادي النسيان
(أنشدت في مهرجان ذكرى شاعر النيل حافظ إبراهيم)

جَدَثٌ بمدرجة الرياح مُعفّرُ = البُومُ ضَيفُ تُرابِه والقُبَّرُ
ذَاوِي الرُّسومِ مِنَ الْبلى فكأنَّهُ = أَثُرُ النّمال مشتْ عليه الأعْصُرُ
أو خطّ رملٍ أنشأتهُ بنانةٌ = "لسطيح" من ماضي الدّهور مُسَطّرُ
أو حكمةٌ مرقومةٌ في معبدٍ = مُتهدّم شابتْ عليه الأسطرُ
أو نقشةُ في حانةٍ مَهجورةٍ = ألجامُ صُفّاحٌ بها مُتبعثرُ
عبرتْ عليه الريحُ كاسفةَ الخُطا = موهونةً فوق الثرى تتعثّرُ
والليلُ أطرقَ واجماً فكأنّهُ الزّنجيُّ = في حلكِ الأثير يُفكّرُ
والنجمُ يخفقُ رحمةً فتخالهُ = عيناً من الغيب المسَتّرِ تنظرُ
والنيل حين جرى بجانبهِ سرتْ = في موجهِ البلوى وكادَ يزمجرُ
والعبقريّةُ أعولتْ مشدوهةً = ثكلى تَفجّعُ صوبَهُ وتحسّرُ
قالتْ وقد شهدته منبوذ الحمى = وحفيرُه في البيدِ أشأمُ أغبرُ
والسافياتُ شددنَ من أوصاله = قصبا تزفُّ بجانبيه فيضفرُ
ونشرن من أكفانه رغم البلى = طاراً عليهِ يدُ النسيم تُنقّرُ
وهزجن والبؤس المخلّد مائلٌ = كالأمس في حرم الردى يتبخترُ
وأقمن عرسًا ماج فوق ترابهِ = يلهو به جنُّ الفلاة ويسمرُ
يا قبرُ لي تحت الصفائح شاعرٌ = تاريخه من نحسهِ متفجّرُ
عبر الحياة فما صغت لنشيدهِ = أُذُنٌ ولا واستْه عينٌ تبصرُ
فكأنما ألحانهُ تأويهةٌ = في الليل ردّدها شجٍ متحيّرُ
أو دمعةٌ محنوقة وقفت على = شط الجفون سجينةً لا تعبرُ
أو دعوةٌ محبوسةٌ في مهجةٍ = جلّى هُداها في الدُّجى مستغفرُ
أو همسةٌ في الغاب تائهةُ الصدى = أبلى نُفاثتها الظلامُ المصحرُ
دنيا من النسيان أُلْقِيَ مهدُه = فيها وسوّيَ لحدُهُ المتهجّرُ
ونصيبهُ بعدَ الفناءِ مصفّقٌ = يهذي لراثٍ في المنابرِ يَهترُ
ومهلّلونَ لشاعرٍ مُترنّمٍ = يلغو بأسجاع البيان ويهذِرُ
يا قبرُ هدّ بِناكَ عن جنباتهِ = مَنْ قال نسلُ العبقرية يقبرُ
فا هتزّ مُرتاعًا وغمغم جاثياً = ومضى يهلّلُ نحوها ويكبّرُ
لا تجزعي فهُنا الخلودُ وسرّهُ = خافٍ على كلّ العقول مستّرُ
لا تحسبي قبب الرخام أظلّها = بالسّرو ريّانُ الفروع منضّرُ
نفضت بساحتها العطارُ جيوبُها = فالمسكُ يسطع تحتها والعنبرُ
وأحالها فنُّ المصوّر آيةً = سرتِ الحياةُ بها فكادت تطفرُ
ومضت بها التيجانُ تلمع في الدّجى = كسرى نزيلُ رحابها أو قيصرُ
أزكى ثرًى من حُفرةٍ مطموسةٍ = دفنت بها ميْتاً لديها عبقرُ
تذرى ويذرى العظم في هبواتها = والخلد من ذرّ التراب منوّرُ
هذا ربيبكِ أعظمٌ منسيّةٌ = رجفت لها في الخافقين الأدهرُ
في مهرجان الخالدين حديثه = نغمٌ على شفةِ الخلود معطّرُ
حشدت له الأهرام ذكراً لو عدا = فيها البِلى لصبا إليهِ المحشرُ
في كلّ محرابٍ بها وبنيّةٍ = شادٍ يرتّل لحنه ويكرّرُ
شعرٌ إذا ما القيد صلّ حديده = في ظلّها يُضرى لظاهُ فيصهرُ
هزّ الجنوب بثورةٍ صخابةٍ = يغلي بها صمت القصيد ويسعرُ
تسري فيرهبها الطغاة فتبري = كالموت لا تبطي ولا تتأخرُ
من راح ينكرُ حاسدًا أصداءها = هذا دمُ الشهداء منها يقطرُ
في دنشوايَ لها رنينٌ خالدٌ = زعجَ الزمانُ دويّهُ المتسعّرُ
سجدت لصرخته المشانق رهبةً = وارتاعَ من خفقانها المتجبّرُ
وأناملُ الجلاد ودّت رحمةً = لو كلّ أنملةٍ عليها خنجرُ
ترتدّ في عنق الذي يهوي بها = قدرا يذودُ عن البريءِ ويثأرُ
تخذوا الحمامَ إلى الحمامِ وسيلةً = شنعاءَ واهتاجوا هناك وزمجروا
نصبوا مشانقهم لنا فكأنّنا = قطعانُ شاءٍ في المجازر تُنحرُ
ولو انّها نطقت لصاحت في الورى = كيدٌ لمصر وحويةٌ لا تغفرُ
إن كان بطشهم تكبّر عاتياً = فالله والوطن المفدى أكبرُ
قمْ عاشقَ النيلِ استفقْ فصباحهُ = حيرانُ في الشّطينِ أغينُ أصفرُ
صديانُ ما نقع الندى لغليلهِ = شوقاً ولا روّاهُ موجٌ يزخرُ
لهفانُ ينتظر الذي غنى له = ويصيح في نور الخميل ويزأرُ
أينَ الندى والسلسل المسكوب من = نغمٌ صداُ بلا آثامٍ يُسكرُ
أين البلابل في الضحى مسحورةً = بالشدو أنطقها الربيع المزهرُ
من شاعرٍ نهب الضحى وأذاعهُ = لحناً يغردُ في الربى ويصَفّرُ
ما شدّ أوتارًا له أو أرغناً = بل كان شطّي في يديه المزهرُ
ولهٌ بمصر وهزةٌ في قلبهِ = بغرامها كاللجّ راحت تهدرُ
وهوًى أحال الشرق قلباً ثانياً = في صدرهِ بِأسَى النوازل يشعرُ
سلْ غادة اليابان كيفَ أهاجها = في الروع عن ضافي الثياب تُشمّرُ
تمضي بمشتعلِ السّنان فإن قسا = تأسو جراحات السنان وتجبرُ
واسمع نشيد الأرز في لبنانِهِ = بردى يكاد بسحرهِ يتخدّرُ
والحور منتفض الغدائر راقصٌ = نشوانُ من رجع الغِناء مُطيّرُ
شادٍ بأظلالِ الجزيرةِ ساجلتْ = ألحانَهُ تحت الصنوبر دمّرُ
أسرى إلى الدنيا الجديدة صوتُهُ = فاهتزّ من طربٍ لديها المهجرُ
واسَى النزيل بها فكاد غريبها = يعييهِ للوطن الحبيب تذكّرُ
سل عنه في يوم الإمام خريدةً = وضحُ الهدى من صفحتيها مُسفرُ
فزعت إلى القبر الطهور وقلبها = جزعاً عليه من المحاجرِ يقطرُ
بالأمسِ علّمها التصبّرَ في الأسى = وطحت بها البلوى فكيف تصبّرُ
هتفت به يا موقظ الإسلام قُمْ = فالشرق بعدك واهنٌ متعثّرُ
كادت مآذنهُ تميد قبابها = وأَذانُها يَرثي ويهوي المنبرُ
يا ومضةً من كاملٍ قد أشرقتْ = فيضاً مِنَ النعش الطهور يُحدّرُ
هاجت على أوتار شاعره لظًى = متخشّعاً يخفي اللهيب ويسترُ
تذكو فيرهبها الجلال فتستحي = فتدسّ أنفاس الضرام وتضمرُ
الشعلة الأولى بوادٍ مظلمٍ = هالاتها من أصغريهِ تنوّرُ
قلبٌ كأنّ النيل أرضعهُ الندى = في المهد قدسيُّ الشغاف مطهّرُ
فإذا يجنّ لمصر تحسبه الصبا = في فجرها فوق الخمائل تخطرُ
وإذا يثور لها تخالُ مروجها = غيلاً يهيج على ثراه القسورُ
مجنون بالأوطان تحت لسانهِ = وجنانهِ نبعٌ لها متفجّرُ
إن الجنون بمصر أروعُ حكمةٍ = يوحى بها شرع الوفاء ويأمرُ
قم عاتب الأوطان حافظُ هاتفاً = بهواه إن جنانها متحجّرُ
شعرٌ إذا ينساهُ شعبُكَ جاحداً = فالنيل في يوم الفخار سيذكرُ
خبلَ الحزانى حين رنّ لبُؤسهم = غرباءَ بالعَوْدِ المفاجيء بشّروا
يأسو وأجراحُ الزمان دفينةٌ = كسرائرٍ في قلبه لا تنشرُ
أذكى أسايَ ولم أر الشادي به = لكنّهُ نسبُ الجحود مؤصّرُ


شعر: محمود حسن إسماعيل


**************************




ثورة الإسلام في بدر
(جهد التذكر استطاع الشاعر أن يثبت ما ضاع من ألحان هذه القصيدة...)
(أنشدت سنة 1937 في مهرجان ذكرى غزوة بدر 17 من رمضان بجمعية الشبان المسلمين)

خفقَ القلبُ بالنشيدِ المطهّرْ = فدع الشعر والأغاني وكبّرْ
وإذا شئت نغمةً فدع الرو = حَ جلالا من شرفة الغيب تنظر
وتهيّأ للوحي يأتيك بالشعْـ = ـر كسيكاب ديمةٍ تتفجّر
وتلفّت لمربع الجنّ في البيْـ = ـد تر الجنّ غيرةً يتقطّر
فاحْكِ للجاحدين يا شاعر الخلْـ = ـدِ أساهُ وصِفْ مناحةَ عبقر
هكذا قال لي صدى مُلْهم الوَحْـ = ـي فأصغيتُ لحظةً كالمخدّر
وانتظرت الإلهام حتى إذا ما = رنّ بي هاتف الخيال المستّر
رجفت في الجنان كالزعزع القصّاف = تغلي بجانبيّ وتزأر
من فجاج الغيوب هاجت صباحاً = ثورةٌ في الرمالِ هبّت تزمجر 
قيل بدرٌ فزُلزلت هدأة الناي = وكادَ النشيدُ بالدم يقطرْ
أقبلت كالعجاج في هبوة الحرْ = ب قريشٌ على الحياض تُنقّر
كل ذي سخنةٍ كغاشية الليْـ = ـل وهولٍ يرتاع منه الغضنفر
يتنزّى بسيفهِ من ضلالٍ = هُوَ أعمى لديه والسيفُ مبصر
سلّه من قرابه وهو خزيا = ن لأيٍّ من الرجال يُشهّر
لو مضى يستشيرهُ ساعةَ الرو = عِ لردّاه كالحطام المبعثر
عجبا للحديد يهدى إلى الحقّ = وهاديهِ كالضرير المحيّر
حشدوا موكب المنايا وخفّوا = لضياء الإلهِ غاوينَ فجّر
يتراءون كالصواعق في الرمْـ = ـل ووجهُ الضحى من الروع أغبر
كالشياطين جلجلت في دجى الليْـ = ـل وهاجت في البيد تغوي وتصفر
أرزمت فوقهم سيوفٌ وريعت = من تناديهم أضاة ومعفر
زلزلوا راسي الجبال وراحت = منهمُ البيد تقشعرّ وتذعر
ومضى الشرك بينهم مزعج الهيْـ = ـجة طيشان كاللظى المتسعّر
جمّع الهول كلّه في يديهِ = ومضى بالحمام في الهول يزفر
إن يكن كيره أجنّ البلايا = لنبيّ الإسلام فالله أكبر
سجد اللات مؤمناً وجثا العزّى = يناجي مناة يا صاحِ أبشر
هلّ في ساحنا وميضٌ من النو = ر غريب التلماح خافي التصوّر
ذَرّهُ أرعد الصفا وأحال الصخر = روحاً يكاد في الرمل يخطر
لا من الشمس فيضه فلكم شعّت = علينا فلم ترُع أو تبهر
لا من النجم لمحهُ فلكم لا = ح كئيب الضياء وهنان أصفر
قد نسختا به ومن غابر الدهْـ = ـر نسختا البلى ولم نتغيّر
ألهونا وعفّروا وهمُ الصيد = عُلاهم على ثرانا المعفّر
سر بنا يا مناةُ نخشع جلالاً = لسنا النور علّهُ اليوم يغفر
عجباً خرّت المحاريب والأصْـ = ـنام دكّاً والعبد ما زال يكفر
وعلى التلّ خاشعٌ في عريشٍ = قدسيّ الظلالِ زاكٍ منوّرْ
كاد من طيبهِ الجريدُ المحنّى = من ذبول البِلى يميس ويزهرْ
هالةٌ تسكبُ الجلال وتندى = بوميض الهدى يفيق ويسحرْ
لو رمت كاسف البصيرة أعمى = عاد منها مبلج القلب أحور
قسماً ما أراه إنساً فإنّي = أتحدى بهِ بنانَ المصوّر
باسطٌ كفّهُ إلى الله يدعو = ربّ حمّ القضا لدينكَ فانصرْ
إنّ أجنادي البواسلَ قُلّ = وخميس العدوّ كالموج يزخرْ
خفقةٌ من كرًى تجلّت عليه = مالَ من طهرها الرداءُ المحبّر
وإذا الوحيُ بارقٌ مستهلٌّ = من سماء الغيوب هنّا وبشّر
فانتضى سيفه وهبّ على الغا = رة بالسّرمدِ القويّ مؤزّر
ينفخ القوم بالحصا فتدوّى = أسلات الإسلام في كل منحر
وجنود السماء من كلّ فجٍّ = غيّبٌ للعيان في القلب حضّر
تُشعل النار في قلوب المذاكي = وتؤجّ الرجال ناراً تسعّر
قوّةٌ من جوانب العرش هبّت = ذاب من بأسها الحديد المشهّر
وبلالٌ يلقى أميّةَ غضبا = ن فيشفي الغليل منه ويثأر
أمسِ كم حمّلَ الصخور الذّواكي = من لهيب الرمضاء تَغلي وتسعر
ضجّ من هولها الآذان وكادت = تتهاوى لها أواسي المنبر
وهوَ اليوم قاذفٌ صخرةَ الموْ = ت عليه تهوي فتردِي وتقبُر
وأبو جهل جندلتهُ قناةٌ = فهوى تحت جندل البيدِ يزحرْ
وقف الكفر فوقه يندبُ الكُفْـ = ـر ويهذي على الرفات ويهذر
يا عدوّ الإسلام خذها من الإسْـ = ـلام ردّتكَ كالقنا المتكسّر
طعنةٌ من معاذ أخرس فُوها = فاكَ بعد ما كنت تنهي وتأمر
لكأنّي بعظمكَ الآن يصطكُّ = ويغلي من الأسى والتحسّر
وشظايا اللسان ندمانةً كا = دت لنور الهُدى حنيناً تُكبّر
ثمراتٌ في كفّ أعزلَ جوعا = ن هضيمٍ بين الوغى متَعثّر
عربيٍّ من شيعة الله وانٍ = عن صراع الهيجاء حزناً تأخّر
حينما شاهد النبيّ تلظّت = جمرةُ النصرِ في حشاهُ المفتّر
سلّ من روحهِ حساماً ومن إسْـ = ـلامهِ في مسابح الرّوع خنجرُ
هكذا نَجدَةُ السّماءِ أحالتْ = واهنَ الجسم كالعتّي المدَمّر
فإذا النصرُ صيحةٌ هزّت الدُّنْـ = ـيا وراعت بُروج كِسرى وقيصر
وإذا بدرُ خفقةٌ في لسان الشّ = ـرق يُزهى على صداها ويفخرْ
 
شعر: محمود حسن إسماعيل


ديوان محمود حسن إسماعيل   جزء 2 Empty ديوان محمود حسن إسماعيل   جزء 2 Empty
*****************************

أنا شاعر الوادي وعزاف اللظى
(ألقيت في ظلال المنصورة يوم احتفالها بمحمد محمود باشا في أثناء رحلته السياسية في 27 من مارس 1937 م )

لمحت ركابكَ يا مُظفّرُ مثلما = لمح الحجيج بظلّ مكة زمزما
فأتتكَ حاشدةً تكاد سماؤها = فوقك فرحةً وتبسمّا
بلد الهوى والسحر هزّ ملاحني = فهفوتُ نحو ظلالهِ مترنما
كادت مباهجها تنسّى خافقي = سحر الصعيد وما أفاض وألهما
قد كنتُ أحسبُها خميلةَ شاعرٍ = شدهَ الربيع خيالَهُ فترنّما
فإذا بها للحقّ ثورةُ ثائرٍ = نسخَ النسيمَ على الضّلالِ جهنّما
بالأمس لاذَ بظلّها متجبّرٌ = ضاقتْ به الدنيا فثارَ ودمدما
صلف الزعامة غرّهُ فمشى بها = يُرغي ويزبدُ فوق شطآن الحمى
زعم المواطن كلَّها أجنادَهُ = ولو استطاع على الورى لتزعّما
معبود قومٍ كلما نادى بهم = سجدوا لديه ضلالةً وتأثّما
آبيسُ والأصنامُ أقدسُ حرمةٍ = منه وأوهنُ في العبادة مأثما
دين الحجارة صامتٌ! لكنهُ = طلبَ الصلاة لنفسه متكلّما
قل للزعامةِ بعدَ ما أودي بها = عضُّ الأنامل حسرةً وتندّما
أين الرفاقُ؟ ألا فنوحي بعدهم = قد صار عرسك يا كئيبةُ مأتما
وعظُوكِ حتى صمّ سمعكِ عنهمُ = تركوك ثاكلة السواعد أيّما
أصبحتِ في التاريخ دمعةَ ظالمٍ = نار العدالة أوسعته تضرّما
تركوكِ حتى صار فرطَ ضلالةٍ = صنمُ القداسةِ في حماك مُهشّما
هذا حِمى المنصورة انصدعت به = آساسُ معقلكِ القديمِ فحُطّما
بلد الفدا والتضحياتِ أبى لها = شرفُ الكرامة أن تُقاد وتُرغما
دارُ ابن لقمان ودارةُ حصنها = ودّت مدارج سجنها لكِ سلّما
نبذيك نبذ الريح ذابلة السفا = ودعت عليلكِ تسخُطاً وتبرُّما
وشبابها ترك الضلالَ وعافَهُ = فغدا مسيرك في ثراهُ محرّما
قد لاذ بالوكن الذي برحابه = الجيلُ والنيل العتيد قد احتمى
زُرت الصعيد فكان ركبُكَ مهجةً = والشعبُ يجري في لفائفها دما
وعطفت بالدلتا فكاد نخيلها = يجثو لديك محيّيا ومُسلما
ومسابح الرياح أصبح موجها = يدعو لركبكَ في الشطوط مُغمغما
والسنبل المفتون يرقصُ فرحةً = والسّرو يبدو في الخشوع متيّما
دنيا من الأفراح يخفق بشرها = أنّى حللت من الديار وأينما
فأم بظلّ الحقّ أرسخَ دولةٍ = في النيل طاب زمانُها وتنعّما
واسمع نشيد الشعر فهو مشاعرٌ = فاض الولاء بها فهاج ورنّما 
أَنَا شَاعِرُ الْوَادِيْ ! وَعَزَّافُ اللّظَىْ = إِمَّا شَهَدْتُ جَنَانَهُ مُتَألِّمَا
أهدي العطور لمن يفي لبلادهِ = وأسوق للطّاغي الخؤون جَهنّما
لاموا عليّ الشدوَ قلتُ رُيدكم = من ذا يلومُ العبقريَّ الملْهما
غيري يسُوقُ الشعرَ فضلَ بلاغةٍ = وأنا أُفجّر في منابِعه الدما!!


شعر: محمود حسن إسماعيل

********************

لم يطب للنبوغ فيك مقام
(لحن حزين هزته ذكرى الأديب الخالد مصطفى صادق الرافعي)

لم يطب للنبوغ فيك مقام = لا عليك الغداة مني سلامُ
المنارات تنطفي بين كفّيْـ = ـكِ ويزهو بشاطئيك الظلام
والصدى من مناقر البوم يحيا = ويموت النشيد والإلهام
قد حبوت النعيم ظلّكِ لكنْ = أين قرت بشطك الأنغام
في هجير الأيام تمضي أغانيـ = ـك حيارى ي}جّ فيها الضرام
عبرت مسبح الجداول والنهْـ = ـر وغابت كأنها أوهام
تسكب السحر من شفاهٍ عليها = مصرع السحر لهفةٌ وأوامُ
تسكب العطرَ والخمائلُ صفرٌ = مات في الأيكِ نورُها البسّام
تسكب البرءَ من جراحٍ عليها = تُرعشُ العمر شكوةٌ وسقامُ
أنتِ يا مصر واصفحي إن تعتّبـ = ـت وأشجاكِ من نشيدي المُلام
قد رعيت الجميل في كلّ شيءٍ = غير ما أحسنت بهِ الأقلام
من روابيك خفّ للخلد روحٌ = قد نعاهُ لعصرك الإسلام
لبست بعده العروبةُ ثوباً = صبغُ أستاره أسىً وقتام
لم تُفق من شجونها فيهِ بغدا = د ولا صابرت أساها الشام
وعلى بلدة المعز دموعٌ = خلّدت ذكرهُ بها الأهرامُ
صاحبُ المعجزات أعيت حجا الدُّنْـ = ـيا وعيّتْ عن كشفها الأفهام
يخبأُ الحكمةَ الخفيّةَ في الوَحْـ = ـي كما تخبّأ الشذا الأنسام
ويزفّ البيانَ كالسّلسل المسْـ = ـكوب تَهفو بشطّه الأحلام
فإذا رقّ خِلتَه قبل الفجْـ = ـر على نارها يلذّ المنام
أو حديثَ النّسيم للزّهرة السّكْـ = ـرَى منَ الطلّ كأسها والمدام
أو حفيف السنابل الخضر رفّت = في رباها قنابرٌ ويمامُ
أو دعاء النّساك أبلتْ صداهم = في حمى الله سكرةٌ وهيام
وإذا ثارَ خلتهُ شُهُبَ اللّيْـ = ـل أطارت لهيبها الأجرام
أو شُواظاً مسطّراً قذفته = من لظى العقل هيجةٌ وعرام
أتعب الجاهدين خلف مراميـ = ـهِ بقصدٍ منالهُ لا يُرام
أصيد الفكر واليراعة والوحْـ = ـي على كبرهِ يُفلّ الحسام
حيّر النقد أن تروغ المعاني = عن مريديهِ أو تندّ السهام
فانزوى الحاسدون إلا فضولا = لا يداريه عائبٌ شتّام
قد سقاهم من سنّهِ مصرعَ الرّو = ح وإن لم تلاقهِ الأجسام
فلتقم بعد موتهِ ثورة الشّا = ني فقد فارق الوغى الصمصام
وله الشأنُ عزةٌ وخلودٌ = ولهم شأنهم صدًى وكلامُ
إيهِ يا ساقيَ المساكين كأساً = لم تسلسل رحيقها الأيام
قد جعلت الآلام وحيك حتى = فجّرت نبعها لك الآلام
ما الذي كان في سحابتك الحمْت = ـراء إلاّ الشجون والأسقام
كنت في عزلةٍ مع الوحي تشكو = ولشكواكَ كاد يبكي الغمام
تمسح الدمع من عيون اليتامى = وببلواك ينشج الأيتام
صنت عهد البيان لم ترخص القوْ = ل ولا شاب سحرك الإعجام
وتفردت بالصياغة حتى = قيل في عالم البيان إمام
ووهبت الفرقان قلبك حتى = فاض من قدسهِ لك الإلهام
فبعثتَ الإعجازَ كالشمس منه = يتهدّى على سَناهُ الأنام
فقم اليوم وانظر الشرق ضاعت = من يديهِ مواثقٌ وذمام
مزّقت قلبهُ الذئاب من الفتْـ = ـك ونام الرعاة والأغنام
في فلسطين لو علمت جراحٌ = مالها في يد الطغاة التئام
وطنُ الوَحي والنبّواتِ والإلْـ = ـهام أودى فعاث فيه الطغام
جذوةٌ في جوانح الشرق تغلي = فيروع السماءَ منها اضطرام
يذبح القوم في المجازر فرط الظلم = فيها كأنّهم أنعام
ويُهان المسيح في موطن القدْ = س ويشقى بأرضهِ الإسلام
وحماةُ البيان خرسٌ كأن الذود = عن كعبة الجدود حرام
إيهِ يا مصطفى وفي القلب شجو = نٌ وفي الصدر حرقةٌ وضرام
ليت لي سمعكَ الذي كرّمَ اللّـ = ـهُ صداهُ فمات فيه الكلام
كنت والوحيَ في سكون نبيٍّ = عادهُ في صلاته إلهام
تتلقّاه خاشع الهمس عفًّا = مثلما رفّ بالغدير حمام
لا ضجيجٌ ولا اصطخابٌ ولكنْ = هدأةُ الرّوح قد جلاها المنامُ
هكذا نعشكَ الطّهورُ تهادى = كالأماني لا ضجّةٌ لا زحام
فاذهب اليوم للخلود كما كُنْـ = ـتَ تُغاديك هدأةٌ وسلام
لم يَمُتْ من طواهُ في قلبهِ الشّر = قُ وغنّى بذكرهِ الإسلام

شعر: محمود حسن إسماعيل


ديوان محمود حسن إسماعيل   جزء 2 Empty ديوان محمود حسن إسماعيل   جزء 2 Empty
**************

الشعاع المقيد
(إلى هالة الوطنية التي تتفجر أنوارها من تمثال رسول الجهاد الأول مصطفى كامل وهو يرسف في قيوده بين ظلام النسيان والجحود) 

خذ أماناً منَ الشعاع المُقيّدْ = فهوَ في القيدِ جمرةٌ تتوقدْ
أو فَذقْ منْ شُواظِهِ الحُرّ = فأنت المقيّدُ المستعبَدْ
ذُق شُواظاً لو مسّه صاهرُ الأغْـ = ــلال أضحى بناره يتعبّدْ
من حواشي الرخام يسطعُ للأحْـ = ـرار ديناً يهدي العباد ويُرشد
هو نورٌ لكنّه في ظلام السجن = نارٌ على القيود تعربد
مِلءُ ذرّاتِهِ أناشيدُ مجدٍ = بصداها مُحرّر النيل أنشد
ذرّةٌ تُرعب الحديد على الصمْـ = ـت وأخرى في الهول تُرغي وتُزبِد
غلّلتهُ بالأمس كفٌّ ضلولٌ = تنصرُ البغيَ بالحسام المجرّد
شدّ طُغيانها عتيٌّ منَ الغرْ = ب على النيل كم طغى وتمرّد
ملّكَتْهُ والملكُ لله دنيا = ظلُّها عاجل الفناء مُبدّد
فمضى في مسابح الشرق كالأقْـ = ـدار يُشقى كما يَشاء ويُسعِد
كم عدا فاتكاً وأحكم أغلا = لاً عليها الرقاب في الشرق تشهد
في فلسطين ظُلمه أقلق الدنْـ = ـيا وما هزّهُ الصراخ المردّد
وعلى مصر كم أذلّ وأردى = وتمطّى على النجوم وهدّد
عبقريٌّ في الختل يُدمي ويرتدّ = على الجرح باكياً يتوجّد
كم سقى النيل من ضرواته الهوْ = نَ وعيشاً من المذّلة أنكد
وتمادى فكنت يا مصطفى الهوْ = ل على هوله تثور وتُرعد
في غباء السنين والنيل مغفٍ = وبنوهُ من سكرة الضيم هُجّد 
قمت كالعاصف المجلجل تجتا = ح فلا تنثني ولا تتردّد
تلبس القيد من جنانك قيداً = حزّهُ في الحديد نقشٌ مخلّد
هتفاتٌ بحبّ مصر وموتٌ = في هواها ونشوةٌ وتعبّد
وصلاةٌ بمجدها كنت فيها الْـ = ـعابد الصبّ والشواطيء معبد
وذيادٌ عن حرمة الوطن الشا = كي بعزمٍ كنيلهِ ليس ينفد
ودفاعٌ عن الحمى كنت فيه = ما لغير الحمى تروم وتقصد
فارسٌ في قتامة النيل تمضي = بشهابٍ من السماء مؤيّد
مِشعلٌ في يديك شرّد بالأضْـ = ـواء جُنحاً على الشواطيء أربد
كنت تسري به فتنهض فانيْـ = ـن عليهم شيخوخة اليأس تقعد
بضياءٍ من الهدى أنعش الشر = ق وطرف الزمان في مصر أرمدْ
وبيانٍ كأنه لهب البرْ = كان تختار جمره وتنضّد
كلُّ لفظٍ من الصراحة سهمٌ = في حشا الغاصبين ماضٍ مسدّد
هاتِ لي من صداهُ نبراً لعلّي = أنفثُ النار من صدايَ المغرد
هاته فالجحود واراه في سجْـ = ـنٍ على شاطيء الليالي مشرّد
في زوايا النسيان قبرٌ وذكرٌ = ورخامٌ في الصمت لهفانُ مكمد
كاد ينضو الأستار عنه وينعي = أنا رمز الفخار يا نيل فاشهد
أنا علّمتك الوثوب على القيْـ = ـد وعلّمتني الأسى والتنهد
ما الذي في الضفاف نسّاك روحا = ذاق من أجلك الردى واستشهد
أشيوخٌ على الكراسيّ هاجوا = وهيَ من هزلهم تميد وترْعدْ
أم شبابٌ على ترابك يمشي = حول ساقيْهِ كالأسير المصفّد
خانعٌ في حماك ينتظر البعْـ = -ث ليمضي إلى الأمام وينهد
علّموهُ والرزق في مصرَ رهنٌ = برجاءٍ وذلّةٍ وتودّد
كيف يلقي بعزمه تحت نعليْـ = ـهِ وفي الذلّ يستنيمُ ويرقد
ما الذي في الضفاف نسّاك يا نيلُ = هوى ذلك الشعاع المقيّد
فمنحت التمثال شِبراً عليه = تائهُ الدود في البلى يتمرّدْ
وحرمتَ الجهاد فجراً من النور = يُهدي إلى علاكَ ويُرشِدْ


شعر: محمود حسن إسماعيل


ديوان محمود حسن إسماعيل   جزء 2 Empty ديوان محمود حسن إسماعيل   جزء 2 Empty

دمعة وفاء
"على فقيد دار العلوم المرحوم أبي الفتح الفقي"

ما تُرى يا حزين تشدو المزاهرْ = بعد ما خُدِّرَتْ بِلَحْن المقادِرْ
لا ترمها شواديَ النغم العذْ = ب طرابا بالأغنيات السواحرْ
عبثٌ في الغناء أ، يُنسيَ الكرْ = بةَ أو يوهنَ الفجيعةَ زامرْ
من يكنْ لحنُه يَهُزُّ الحنايا = فَلُحونُ الرّدى تُذيبُ المرائرْ
وإذا الشاعر الطروبُ تغنّى = فالْهُ عنهُ فالموتُ أبلغُ شاعرْ
طفت في ساحة البيان وقلبي = راجِفُ الحسّ مستطارُ المشاعر
والضحى واجم الظلال كسيفٌ = باهتُ النور مطرق الزهر سادرْ
جمد الطّلُّ في الكمامِ وماتتْ = فَوْحةُ العطر في جُيُوب الأزاهر
ورمى الطير عودَه غير ندما = نَِ عليه وعاف ضرب القيائر
كلّما خفّ هائجٌ من أغانيْـ = ـهِ تعايا فذاب طيّ الحناجر
سكنت في العشاش عصفورة النيـ = ـل وشلّ الأسى مراح القنابرْ
وكأن السماء خيمة شيخٍ = شدّ أطنابها حيال المقابر
غمر الثكل روحه بعماءٍ = وشقاءٍ ووحشةٍ ودياجر
لا يُحسّ الحياةَ إلا زفيراً = نفخته الشجون حول الحفائر
إنها صرعة الفناء أثارت = كلّ قلبٍ وأذهلت كل خاطر
طلسمت سرّها الغيوب وأرخت = دونها للورى كثيف الستائر
طمحت أعيني إليها فردّتْـ = ـها سراعاً إليّ حيرى حواسِرْ
ما لها سلوةٌ عن الحزن إلا = سيكبٌ من مُرقرق الدمع مائرْ
قلّبت طرفها طويلاً فلم تُبْـ = ـصرْ سوى لُمعة الدموع المواطرْ
تتهاوى حيالها من عيونٍ = كاسفاتٍ من البكاء غوائر
يا أبا الفتح كنت هالة نورٍ = قبستها فأشرقت في البصائر
غبت عنها ولم يغب لك ومضٌ = زاخر اللمح خالدٌ في الضمائر
أنملات الطبيب راحت تواسيـ = ـكَ من الداء وادعاتٍ غرائر
خدع العلم طرفها فتهادت = فوق جنبيك تبتلي وتغامرْ
فإذا راحت المنيّة صدّتـ = ـها فخرّت على يديها صواغر
ويحها لو نضت حجاب المنايا = عرفت أنها لديه تقامرْ
هلّلت للربيع زنبقة الريـ = ـف وماست له الورود النواضر
فتهاديت كالشعاع إليها = تنشد العيش في الظلال الزواهر
سجوةٌ تحت أيكها لك مهدٌ = ناعمُ الفيءِ باسمُ الضوء عاطر
يتلقاك في خشوع ويضفي = حبر الزهر في خطاك الطواهر
سرت للدلجمون عجلان ماذا = ضرّ ياربِّ لو تأنّى المسافرْ
نصلت خلفك القلوب حيارى = واجفاتٍ تحت الضلوع موائر
لو ونى الدمع عن صداها تلظّت = جمراتٍ ملذّعاتٍ سواعر
كنتَ تسري والناس حولك سيلٌ = جارفٌ في الشعاب كالموج هادر
خيل تسيارهم وراءك نُسّا = كاً تراموا على حواشي المنابر
أقلقوا مسمع الأصيل صُراخاً = ونحيباً وفزّعوا كلّ عابرْ
أُخذوا إخذة المؤمّل دكت = صرح آماله الجدود العواثر
كلما رنّ خافقٌ من صداهم = لطمت خدها كرام الحرائر
أطرق السنبلُ الحزينُ وجُنّت = من أسى خَطبك الطّيورُ العوابر
حسبت نعشك المطهّر طيراً = للجنان الفساح في الخُلدِ سائر
فتسامت في الجوّ صوبك غيري = تتهذّى العُلا بأقدس طائر
ووصلت الضفاف من لُجّةِ المو = ت وكلٌّ لشطّها بَعدُ صائر
لاَنِمَالُ الشقوق تُعصَمُ منها = لا ولا في البروج صيدُ القياصر
هي أسطورة الزمان ولغزٌ = من يُردْ حلّهُ صمّ القلوب عُميَ النواظر
كُتلٌ من جوارحٍ تتنزى = كهشيمٍ منَ البلى متطايرْ
من يشأ سُؤْلنا نطقنا دُموعاً = وجواب الحزين ذوبُ المحاجرْ
سلْ شحوب المساء كيف احتوانا = في جحيم من التأوّه ساعرْ
لو نُسخنا به لكنّا رياحاً = صافراتٍ على مُتونِ الهواجرْ
شرّدَ اللّيلُ نوْحَنا في حَواشيْـ = ـهِ وَقلْبُ الدجَى سَريرةُ كافِرْ


شعر: محمود حسن إسماعيل

**************************

ويعيش أحرار العقول بظلها غرباء
"في تأبين المرحوم أمين لطفي بمسرح حديقة الأزبكية يوم 14 من فبراير عام 1936"

وترٌ على شطّ المنيّةِ غافي = شُلّتْ عليه أناملُ العزافِ
ماتت أغاني الروح فوق مهادهِ = وذوت رُؤَى الأشباح والأطيافِ
يا مَنْ عشقتَ نشيدَهُ متسلسلاً = من هائجٍ صخبٍ ومن هفّافِ
إن كنتَ ذا حدبٍ عليه ورحمةٍ = مزّق بقلبك سترَ كلّ شغافِ
قد كان مُلهمهُ الحبيبُ منعّماً = في زورقٍ حولَ الضُّحى طوّافِ
ملاّحُهُ ملكٌ يقودُ زِمامهُ = في هالةٍ من نورهِ الرفّافِ
يسري به والطّهر مدّ شراعهُ = لجلال مرفأةٍ وقُدس ضفافِ
في جوقة النّوتيّ أيقظ روحه = شجنُ المساء بهمسة الزّفزاف
فشدا ورنّم والطيور حياله = خرس الحناجر هجّع الأطراف
تصغي له نشوى كأنّ هتافهُ = زفّ الصدى لقوادمٍ وخوافي
وهبت له مزمارها فأعارهُ = لحن الضحى وقصيدةَ المجداف
واليمّ صديان الحشا متلّهفٌ = ظَمِئاً لشدو السابح الهتّاف
والكون أشيبُ خدّرَتهُ نُفاثَةٌ = هاجت بها ذكرٌ لديهِ خوافي
يا من رأى الدنيا تحار سفينةً = تجري على نور الصباح الضافي
وأتى المساء لحظّها متجهماً = يطوي السنا بحوالك الأسداف
دجوان مصطخب الرياح تنوح في = قلب الدجى بالزعزع القصّافِ
فتهافت الملاّح يطلب نجوةً = من يمّه المتوثب الرجّاف
سبق الردى لكَ يا مُؤمّل خُلده = وطحا به الريح العتيُّ السافي
سل عنه في يوم استفانو موقفاً = خلت الوقوف به على الأعرافِ
كفٌّ مطهرةٌ تصافح أختها = فيقال آثمةٌ منَ الأجحاف
وتروح كفّ الظلم تبسط خمسها = نِقماً وتُسرفُ أيّما إسرافِ
والله يشهد أنها ما استأثمت = يوما ويشهد ساحل المصطاف
مُذْريَّةٌ مَدّتْ أناملها هوى = ومحبّةً تهفو لخلٍّ وافِ
فيحُوطُها الشكّ وينبري = لعقابها اللاحي بلا إنصاف
وهيَ التي لو لامست قلب الصفا = لأذاع عطر الروح للمُستافِ
وعقيدةً كادت تُضيءُ قداسةً = إن غال صبح القوم ليلُ خلافِ
إن عاش فيها المُستضامُ فَراهةً = فهوَ الذي يَرضى بعيش كفافِ
شرفُ الجهادِ عقيدةٌ لم يُغوها = بهجُ الحليِّ وبهرجُ الأفوافِ
يا أمةً يُسقى المداهن بينها = شهد المنى والحر كأس زعافِ
ويعيش أحرار العقول بظلها = غرباء من عنت الزمان الجافي
أفمنْ يظل على المبادئِ ثابتاً = قذّفتِهِ في البؤس شرّ قذاف
ودفنت في وضر الجحود ضياءهُ = دفنَ الثرى للجوهر الشفّاف
ماذا عليك إذا سقيت غراسهُ = حيًّا وقد أولاكِ عذب قطافِ
كرّمتهِ بعد الممات ومنْ سوى = كفّيكِ زفّ الموت أيّ زفاف
قد كان في الصمت المجاهد آيةً = أعيت سرائرها حجا الوصّاف
نارٌ تئزّ بجدولٍ مترقرقٍ = ولظًى يشبّ بزنبقٍ رفراف
وذبالةٌ تذكي الفناء لعُمرها = وخيوطها بالنور جدّ ضوافي
هو ذا الجهاد فلا تقل بُوقَ اللُّهى = يَهذي بطنطنةٍ ورجفِ هتافِ
كم حكمةٍ صرخت بمنطق شاعرٍ = ونصيبهُ منها خيال خُرافي 


شعر: محمود حسن إسماعيل
***********************************


زفرة على فلسطين الدامية
إلى ضمير الإنسانية...
"....وإلى ريح التّايمز العاتية!!!"

صوتٌ بأرض القدس مشتعل الصدى = كادت له الأكباد أن تتوقّدَا
لمّا تأوّهَ صارخًا بين الورى = أسيان يرزمُ تحت نيران العدا
جزع المسيح له ولولا طهرهُ = ما مدّ للرحمات كفًّا أو يَدا
رُهبانهُ في الغرب منبع حكمةٍ = ما غلّفت يوماً لِمُلتَمِسِ الهُدى
رشفوا منَ الإنجيل فيضَ رشادهِ = وتخشّعوا حول الهياكل سجّدا
وشدوْا بملحمةِ السلام ورنّمُوا = مزمورَهُ للكونِ خلاّبَ الصدى
لكنّ شعبَهُمُ أثارَ عجاجةً = في الشرقِ طافِحةً بأهوال الرّدى
فإذا التعاليم التي هتفوا بها = من سورةِ الأطماعِ قد ضاعت سُدى
وإذا بلحن السلم بين شفاههم = عصفت به شهواتُهُمْ فتبدّدَا
تخذوا الرصاص شريعةً قُدسيّةً = وقذائف الأرواح نهجاً مُرشدا
لم يرهبوا التاريخ في استعمارهم = أنّى سَطَوْا وَكَزُوهُ أروعَ سيِّدا
لطموهُ في القدس المُحرّم لطمةً = كادت لها الأجبالُ أن تتهدّدا
مهدُ الشرائع من قديمٍ مالهُ = أضحى لأحرار البريّة موقدا
في كل مرتبع بهِ وحنيّةٍ = تلقى صريعاً في التراب ممدّدا
هانت على البطل المجاهد نفسهُ = فسعى لحوض الموت يطلب موردا
ألقى إلى اللهب المسعر روحهُ = وكذا يكون الحر في يوم الفدا
اللهَ في وطن النبوة نال من = شرهِ الطغاة اليوم حظًّا أنكدا
الفتنة الشعواء هاجت قلبهُ = لم تبقِ فيه كنيسةً أو مسجدا
شرعت من الرق البغيض سلاحها = تتفزع الأقدار إما جردا
صرخ الضعيف شكاية من هولها = فمحى اللهيب صراخه فتشرّدا
فتخاله والصدر ينفث ناره = من كل زافرةٍ تريق الأكبدا
حملا يد الجزار دقت عمره = فقضى بصرخته على حدّ المدى
محنٌ مرزّئةٌ وموتٌ عاصفٌ = لم يبق شيخا في الحمى أو أمردا
يا ربَّ وادٍ في الصباح منضّرٍ = غيسانَ باكرهُ السنا فتأوّدا
لما دهتهُ الحادثات ضُحيّةً = وسرى دخان الموت أقتم أربدا
نفضتخمائلهُ شبيبة عمرها = وتصاوحت فغدت محيلا أجردا
ما ذنبها؟ ما ذنب صيدها الذي = قد كان يسجع في الظلائل منشدا
خُنقت مزاهرهُ وماتَ نشيدهُ = ونأى عن الوطن الحبيب وأفردا
لولا هياج الحر ديس مهادهُ = لثوى بجنته وظلّ مغرّدا
***
يا يوم بلفورٍ وشؤمُك خالدٌ = ما ضرّ لو أخلفتَ هذا الموعدا
عاهدت أعزال الجسوم سلاحهم = ما كان إلا الحقُّ صاح مقيّدا
وتركتهم رهنَ المطامع تبتغي = منهم على حرٍّ المواطنِ أعبُدا
ثاروا بأرض الله ثورة عاجزٍ = سمع القوي شكاتَهُ فتوعّدا
هاجوا على الأصفاد هيجةَ ناسكٍ = زحمتهُ آثام الصبا فتمرّدا
هجمت على الغار المُطهّر في الدجى = فأثار عزلتهُ وهاج المعبدا
ضجّوا على نابُلسَ حتى كاد من = صخب الأسى والحزن أن يتنهّدا
عجباً يكاد الصخر يدمع رحمةً = لهمُ وقلبُ الآدميّ تصلدا
ومعالم الإسلام بين ربوعهمُ = كادت تزمجر لهفةً وتوجّدا
بسطت إلى قدم النزيل رحابها = فبغى على قسماتها وتهدّدا
وهو الذي لولا نعيم ظلالها = لمضى على كنف الوجود مشرّدا
***
والشرق ويح الشرق نام أسودهُ = عن ثائرٍ في القدس ضجّ وأرعدا
شلّت عزائمهم ونام جهادهم = وتصرّعوا في كل مهدٍ هُجّدا!


شعر: محمود حسن إسماعيل

***************************


جيلكم مات فدسوا نعشه
(يا وطني ! لا أملك غير هذا القلم ، أنفث منه ثورتي الصامتة على جيلك .. وهو في غمرة التطاحن الحزبي لا يكاد يفيق!).

جيلكم شاب..فَوارُوا ضعفه = واحرقوه بلظى الدم الجديدْ
كفّنوهُ من بلى أيامهِ = وادفِنوهُ في ثرى الماضي البعيدْ
واذهبوا لا تندبوهُ للوجودْ
هوَ جيلٌ لعب القيد بهِ = منذ ما رنّ على أرض الحمى
فاصعقوهُ واحطموا أصفادهُ = وافرعوا بالعزم أبراجَ السما
شرعة الأغلال جاءت للعبيدْ
أمّكُمْ مصرُ وفي تاريخها = ما يَرُدُّ الغرب نديانَ الجبينْ
فاسألوها واسمعوا في تربها = يزعج الآفاق صوت الراقدينْ
من هنا تسطع أنوار الخلودْ
جيلكم مات فدسوا نعشهُ = فهو عارٌ في ضمير الزمنِ
مزّقت قلب الحمى أطماعهُ = فارجموه يا شباب الوطنِ
ولأحزاب الحمى شقّوا اللحُودْ
السياسات كلامٌ وصدًى = وزعاماتٌ وخلفٌ وخصامُ
والكراسيُّ إذا أبصرتها = موردٌ أقلق شطّيهِ الزحامُ
فهي تنعي من أساها وتميدْ
فانهضوا فالعصرُ وثّاب الخطا = ولكم من أمسكم أعلى مثلْ
وطن يطمح لو نال السها = وتخطّاها وأسرى بالأملْ
وعلا بالنيل في هام الوجودْ

شعر: محمود حسن إسماعيل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://arabeduc.yoo7.com
 
ديوان محمود حسن إسماعيل جزء 2
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رواد الدراسة في الجزائر :: أدب وشعر :: الخواطر والقصيدة الحرة-
انتقل الى: